07 مارس . 4 دقائق قراءة . 931
البعيد عن العين
لم تغب عن بال إبراهيم حبيبته طوال فترة سفره، كان يصنع لها تمثالا صغيرا غير مكتمل، لديه قناعة أن الحب لا يكتمل ولا يجب أن يكتمل، وحبيبته تحمل دائما المفاجآت في شكلها وحديثها. مر وقت طويل لم تعرف عنه أي شي، وفي نفسه يقول مشككا وخائفا، "هل تنتظرني أم نستني؟ "، السؤال الذي كان يراوده دائما كلما ابتعدت المسافة وازداد الوقت، هل سأعود مرة أخرى لرؤيتها، أينبغي البحث عن فتاة أخرى أم أبقى وفيا لها.
يشكل إبراهيم ردة فعل لدى الفتيات حين تتعرفن عليه، فهو يملك المنطق في الكلام والجاذبية في اللباس، وحين تردد شفتيه مهنته، نحات قبور، تتلعثم الفتاة أمامه وكأنها دخلت في مقبرة وتريد الهرب منها، لكن يعود ليجذبها بقدرته على كتابة وأداء الشعر، لتذوب الفتاة بجمال كلامه وتنظر لحركة يديه في الكتابة وكأنها ليست نفس اليدين التي تصنع القبور.
ليلة وداع حبيبته كانت من أصعب اللحظات، هو الممتلئ شغفا بالبحث في ثقافات الشعوب والسفر والترحال، هو بدوي في طبعه، كان يعتقد إن كانت فعلا الروح تتقمص، كما سمع عن إيمان بعض الجماعات، فهو على قناعة بانه جاء من قبيلة غجرية، حتى أنه زار جماعة قبلية لها عادات وطقوس "الطوطمة"، أن تعطي للشخص اسم حيوان وصفة لها تشبهه، فاختار طائرا مهاجرا. " برحيلك تصنع قبرا وتدفن كل الحب فيه "، كلمات قالتها له وعيونها تمتزج فيها كل عناصر الحب والغضب والحزن، فكان رده " أنت الابدية بالنسبة لي، إن كان هذا رأيك "، وتابع " أرحل لأعود إليك محققا هدفا أطمح له "، فقابلته بابتسامة في طرف شفتيها " هدفك وليس هدفنا !"، مسك يديها وقال " الهدف أراه معك، مهما طالت المسافة سأعود إليك فأنت نقطة لقاء الشروق والغروب ".
البعيد عن القلب
دخول رشا عالم الاساطير كان صدفة، وصدفة قاسية بعد موت خطيبها، فهي اعتبرت أنه أصبح أسطورة في حياتها، لا تتقبل غيابه إلى دنيا أخرى، فبحثت عن طريق تبقيه معها، فكتبت له في غيابه، صنعت منه أسطورة بعد أن قرأت كيف تكتب الاساطير ولماذا وجدت وكيف أتقنها الانسان في بدايات تفتح عقله نحو تفسير الكون، هي بالنسبة لها تحاول تفسير ما حدث من غياب.
لدى رشا ضحكة مميزة وحديث لبق، فامتلكت " الكاريزما " القوية، هي ما جذبت حبيبها لها، إضافة للعديد من الشبان، وبعد وفاة خطيبها تغير مزاجها بشكل كامل، حتى من لا يعرف قصتها يدرك أن هناك من غاب عنها من تعابير وجهها. تملك رشا رسالة في خزانتها هي آخر ما كتبه لها، لا تحتفظ بها فقط من اجل الكلمات، هي تحفظ رائحة يديه وجسده، تشبه طقوس القدماء في تكريم الالهة عبر أساطيرهم.
تقف أمام نافذتها المطلة على بحر بيروت يمينا والجبل شرقا، تسأل نفسها، هل هي تهرب من الحقيقة ومواجهتها، بعد وفاته زارت طبيب نفسيا لمساعدتها على الخروج من أزمتها، كان يقول دائما في نهاية كل جلسة "الحل عندك وليس عندي ". كلما أعجبت بأحد بعد كل هذه السنين من الفراق، تشعر بحرقة في قلبها، رغبة في بناء علاقة جديدة طبيعية، فالموت هو جزء من الحياة، ليوازيه شعور أن لا أحد في حياتها وعقلها غير شخص واحد، حتى حين تفكر ببناء عائلة فهي تريد أن يكون اسم طفلها على اسمه، هل هذه خيانة لمن تعيش معه أم تريد أن تخلق اسطورة تصبح حقيقية. تعود رشا إلى كتبها للهروب والبحث والكتابة نحو عالم آخر داخل الورق.
24 يونيو . 3 دقائق قراءة
14 أبريل . 5 دقائق قراءة